إعادة تدوير القمع: جذور الاعتقال المتجدد للسجناء السياسيين في مصر

في دوامة الحبس الاحتياطي
تداول مصطلح “إعادة تدوير المعتقلين” بين المحامين الحقوقيين منذ إدراج محمد القصاص نائب حزب مصر القوية على ذمة قضية جديدة بعد قرار محكمة الجنايات إخلاء سبيله في ديسمبر 2019. حيث فوجئ القصاص أثناء إتمام إجراءات إخلاء سبيله بترحيله لمبنى نيابة أمن الدولة مرة أخرى للتحقيق معه بعد الانتهاء من إجراءات إخلاء سبيله.
واجه القصاص في قضيته الجديدة تهم عديدة، منها عقد اجتماعات من محبسه الانفرادي في سجن شديد الحراسة 2، والمشاركة في تمويل جماعة إرهابية، دون تحديد الأشخاص المزعومين الذين اجتمع بهم أو ماهية الجماعات الإرهابية التي تم اتهامه بتمويلها، وهي تهم تتضمن نية استمرار حبسه بغض النظر عن مدى تماسكها قانونيًا.
ارتبط مصطلح تدوير المعتقلين بالتوسع الكبير من قبل الدولة المصرية في إعادة حبس المعارضين المصريين على ذمة قضايا جديدة لفتح مدد الحبس الاحتياطي لمعارضي النظام وتكريس السيطرة المادية والزمنية عليهم. فمع استنفاذ تجديدات الحبس الاحتياطي وإخلاء سبيل المتهمين، يتم إدراجهم على ذمة قضايا جديدة أمام النيابة بتهم مختلفة. ويتم إعادة تدوير المعتقلين على ذمة هذه القضايا سواءً أثناء احتجازهم وقبل إخلاء سبيلهم مباشرةً، أو بعد إخلاء سبيلهم، أو أثناء تنفيذ المراقبة.
تسبب اللجوء لهذا الإطار الإجرائي من السلطات التنفيذية والقضائية في مصر في تفريغ العملية القضائية من معناها. حيث نتج عن هذه الإجراءات تقنين الاعتقال التعسفي المطوّل واعتباره ممارسة طبيعية للقانون، بحيث يصبح السجين السياسي رهن الاعتقال المفتوح بمجرد القبض عليه ويتحول القبض التعسفي والحبس الاحتياطي من إجراءات وقتية محدودة زمنيًا إلى أداة عقاب جماعي على الانخراط في العمل العام وتصفية نهائية للخصوم السياسيين، وهو ما يتنافى مع مبادئ وضمانات العدالة من افتراض براءة المتهمين وحقهم في الدفاع والتقاضي في ظل محاكمة عادلة.
انتبه مركز بلادي للحقوق والحريات في مصر إلى إلحاح هذه الظاهرة الجديدة، خصوصًا بعد استخدام المحبوسين للفظ “التدوير” تعبيرًا عن هذه الممارسات، بالإضافة إلى غياب ما يعبر عن الظاهرة في القانون المصري أو القوانين الدولية لحقوق الإنسان. يستند البحث إلى قانون الإجراءات الجنائية وقانون الطوارئ والإرهاب والاجتهادات القانونية في تعريف الحبس الاحتياطي المطوّل المؤسس لفكرة التدوير، بالإضافة إلى رصد حالات تعرضت للاعتقال المتجدد أو لإعادة تدوير القمع.
أولًا: حالة الطوارئ كمظلة قانونية للاحتجاز التعسفي
تاريخ الحبس الاحتياطي قبل 2013
“لكل شخص الحق في الحرية الشخصية”.
بدأت حالة الطوارئ في مصر في القرن العشرين خلال فترة حكم الإحتلال البريطاني واستمرت خلال الحكومات التي تلته. حيث سمح السياق القانوني بوجود نصوص ومواد فضفاضة تسمح بالتوسع في توجيه التهم بشكل كبير، تعطي صلاحيات واسعة لأجهزة الشرطة والأمن بشكل قاد دومًا للتعسف والتعنت في استخدام تلك القوانين، واللجوء للاعتقال التعسفي.
لم يضع المشرع تعريفًا محددًا للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، غير أنه قد ورد في التعليمات القضائية العامة للنيابات بأنه “إجراء غايته سلامة التحقيق الإبتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه”.
وانطلاقًا من هذا التعريف، وضع عدد من أساتذة القانون تعريفات متعددة بذات المضمون لمعنى مبدأ الحبس الاحتياطي، فهناك من عرفه بأنه “إجراء من إجراءات التحقيق الجنائي، يصدر عمّن منحه المشرع هذا الحق، ويتضمن أمرًا لمدير السجن بقبول المتهم، وحبسه به، ويبقى محبوسًا مدة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل دعوى، حتى ينتهي إما بالإفراج عن المتهم أثناء التحقيق الإبتدائي أو أثناء المحاكمة، وإما بصدور حكم في الدعوى ببراءة المتهم أو بالعقوبة وبدء تنفيذها عليه”.
ورغم أن الحبس الاحتياطي بذلك التعريف يعتبر مساس مباشر بالحرية الشخصية، إلا أنه مساس يأتي قانونًا بالدرجة الأولى ضمن سياق متماسك لضمان مسار العدالة وبالخضوع لمبدأ الشرعية الجنائية وبعلة وغاية محددة تتعلق بمنع المتهم من التأثير والضغط على شهود الواقعة بالرشوة أو التهديد أو من الإتفاق مع شهود زور أو التواصل سرًا مع غيره من المتهمين إن وُجدوا أو بالعبث بالأدلة أو ضمانًا لعدم هروبه من تنفيذ الحكم الذي قد يصدر ضده بالنظر الى كفاية الأدلة ضده. ووفقًا لأحكام المادة 134 المستبدلة، فإنه يجوز استخدام الحبس الإحتياطي في الجنايات بكافة أنواعها، وهي الجرائم المعاقَب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن.
الغاية القانونية من الحبس الاحتياطي ليس عقوبة في حد ذاتها وإنما يأخذ طابعًا مؤقتًا لضمان سير العدالة، وقد أوجبت الدساتير المتعاقبة أن يكون بأمر قضائي يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وأنه بالأساس إجراءًا إستثنائيًا يجيء على خلاف مبدأ براءة المتهم الذي يلازمه في كافة مراحل الدعوى الجنائية، إلى حين صدور حكم بات بالإدانة.
تولى قانون الإجراءات الجنائية تحديد مدد الحبس الإحتياطي بالنسبة لكل سلطة من السلطات المخول لها إصدار أوامر الحبس أو تمديده، غير أنه لم يضع الحد الأقصى له، حتى تم وضع أحكام القانون رقم 145 لسنة 2006 والذي كان تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون 150 لسنة 1950، والتي يمكن توزيعها بالمراحل الآتية:
1- الحبس الاحتياطي من النيابة العامة:
إذا أصدرت النيابة أمرًا بضبط وإحضار المتهم ثم تم القبض عليه تنفيذًا لقرارها وعرضه عليها، ثم أصدرت عقب استجوابه أمرًا بحبسه احتياطيًا، فإن مدة الحبس أقصاها أربعة أيام تبدأ من اليوم التالي لهذا القبض.
أما إذا كان القبض على المتهم قد تم بمعرفة مأمور الضبط القضائي في الحالات التي يجيزها القانون، فإن مدة الحبس الاحتياطي التي تصدر من النيابة العامة تبدأ بحدها الأقصى المذكور من تاريخ عرض المتهم على النيابة العامة. ولا تملك النيابة العامة بعد إنقضاء مدة الأربعة أيام أن تأمر بمد الحبس الاحتياطي، ويتعين الإفراج حينها عن المتهم، إلا إذا رأت النيابة مد الحبس، فيتعين عليها عرض الأوراق على القاضي الجزئي ثم على محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة قبل انقضاء تلك المدة.
2- الحبس الاحتياطي من قاضي التحقيق:
نصت الفقرة الأولى المعدلة من المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “ينتهي الحبس الاحتياطي بمضي خمسة عشر يومًا على حبس المتهم، ومع ذلك يجوز لقاضي التحقيق قبل انقضاء تلك المدة وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، أن يصدر أمرًا بمد الحبس مددًا مماثلة بحيث لا تزيد مدة الحبس في مجموعها على خمسة وأربعين يومًا”.
ولقاضي التحقيق وفقًا للمادة 144 من ذات القانون أن يأمر بالإفراج عن المتهم إذا كان هو الذي أمر بحبسه احتياطيًا، سواء كان من ذاته أو بطلب من المتهم، إلا في حالة استئناف النيابة على قرار الإفراج، حيث يُحال القرار إلى محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة.
3- الحبس الاحتياطي من محكمة الجنح المستأنفة:
لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدةً في غرفة المشورة مد الحبس الاحتياطي سواء أُحيلت لها الأوراق من قاضي التحقيق أو عُرضت عليها من النيابة العامة، وبمقتضى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية ممثلة في القانون 145 لسنة 2006، فإن الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي هو ثلاثة أشهر في الجنح، وخمسة أشهر في الجنايات. يحدث ذلك في مرحلة التحقيق الإبتدائي وقبل الإحالة للمحكمة المختصة، وبعد استنزال خمسة وأربعين يومًا. وتصدر أمر الحبس بهذه المدة المكملة دفعة واحدة أو مرات متعاقبة.
4- الحبس الاحتياطي من محكمة الموضوع:
لا تقتصر سلطة الحبس الاحتياطي على مرحلة التحقيق الإبتدائي، بل تمتد لكافة مراحل المحاكمة والدعوى الجنائية. لم يكن للحبس الاحتياطي حد أقصى قبل القانون 145 لسنة 2006، وبموجب حكم الفقرة الأخيرة من المادة 143، وضع حد أقصى في مرحلة التحقيق الإبتدائي وكافة مراحل الدعوى الجنائية، وهو ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح.
5- الحبس الاحتياطي من محكمة الجنايات:
تنص الفقرة الأخيرة المعدلة وقتها من المادة 143 على أنه “في جميع الأحوال لا يجوز أن يتجاوز الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت عقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”.
ثانيًا: حالة الاستثناء الدائم ما بعد 2013
“يد العدالة مغلولة بالقوانين”:
في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء تشييع جنازة النائب العام السابق هشام بركات، صرح السيسي  أن يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، وأعرب عن عدم رضاه بوتيرة سير المحاكمات وقتها، طالبًا من السلطة القضائية أن تعمل خلال أيام على إصدار التعديلات في قوانين الإجراءات الجنائية بما يواكب محاربة الإرهاب ويحقق العدالة الناجزة على حد تعبيره.
من المنتظر أن يقر مجلس النواب تعديلات هي الأوسع في قانون الإجراءات الجنائية منذ صدوره عام 1950، وسيكون التعديل السادس حال إقراره منذ عام 2013. والتي يتم فيها إدخال تعديلات على القانون، والمرة الأولى التي سيتم فيها مناقشة وإقرار تعديلات بتلك السعة كمًا ونوعًا، حيث من المزمع تعديل 270 مادة من أصل 560، واستبدال 150 مادة واستحداث 44 مادة جديدة، كما أنها ستكرس مبدئًا خطيرًا حال تم إقرارها وهو السماح بتغول روح قانون الطوارىء بنصوصه الاستثنائية المؤقتة على القوانين المؤسسة مثل قانون الإجراءات الجنائية عبر حشو مواده بنصوص تحمل جوهر قانون الطوارىء.
كان القانون 83 لسنة 2013 هو التعديل الأول على قانون الإجراءات الجنائية منذ إعلان وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئاسة الجمهورية، حيث تم استبدال الفقرة الثانية من المادة 143 فيما يتعلق بأمر الحبس والتي كانت تنص على:
“ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيًا ثلاثة أشهر وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيله للانتهاء من التحقيق، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة أشهر، مالم يكن المتهم قد أُعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة شهور إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة أخرى مماثلة وإلا وجب الإفراج عن المتهم في جميع الأحوال”.

بالنص التالي: “ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرًا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة”.
وجاء التعديل الأخير في القانون ممثلًا في القانون 11 لسنة 2017 والذي نُشر في أبريل، والذي أعطى لهيئة المحكمة في مادته رقم 277 الحق في الاستغناء عن سماع الشهود مع تسبيب ذلك في الحكم، وكذلك مشروعية حضور المحامي بتوكيل عن المتهم أمام المحكمة دون حضور المتهم في المادة 384، وإعطاء الصلاحية في المادة 39  لمحكمة النقض في الفصل في الطعون بالنقض من المرة الأولى ودون الحاجة لإعادة القضايا لدوائر جنايات أخرى. وإضافة تعديلات للقانون 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم الكيانات الإرهابية، وكذلك تعديلات على القانون 94 لسنة 2015 والمعروف باسم قانون الإرهاب.
ولا يبدو أن التعديلات الموسعة المترقِبة ستختلف عن التعديلات السابقة. فرغم أن المادة 129 من المشروع المقترح قد جعلت الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في مواد الجنح محددًا بستة أشهر، وثمانية عشر شهرًا في مواد الجنايات، وعامين في القضايا ذات عقوبة الإعدام أو المؤبد، إلا أن المادة 130 التي تليها مباشرة لم تتقيد بالحدود التي جاءت في المادة التي سبقتها، وهو ما يثير علامة استفهام كبرى حول نوايا المشرع في التلاعب بالنصوص وتطويعها.
ثالثًا: الخصومة المباشرة وضحايا الاعتقال المتجدد في مصر
أصبح المنطق الذي يحكم اعتبارات الحبس الاحتياطي المتجدد هو رغبة السلطتين القضائية والتنفيذية في إبقاء المعارضين داخل السجن. ويبدو سلوك السلطتين التنفيذية والقضائية وكأنه عملية قولبة نماذج لمن يمكن أن يتعرض للحبس الاحتياطي المتكرر وتدوير القضايا، أو كصناعة نماذج للتنكيل بها ضمن سياق أوسع يستهدف ترهيب المجال العام.
في حالة المدون شادي أبو زيد، فقد تم حبسه على ذمة القضية 621 لسنة 2018 بعد القبض عليه من منزله في 6 مايو 2018 حيث تم اتهامه بالانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة. ظل شادي قيد الحبس الاحتياطي قرابة 20 شهر قبل أن تأمر محكمة جنايات جنوب الجيزة بإخلاء سبيله في يوم 4 فبراير 2019، وعقب أسبوع على القرار وأثناء إنهاء إجراءات إخلاء سبيله تم عرضه مرة أخرى على نفس النيابة على ذمة القضية 1956 لسنة 2019، متهمًا بمشاركة جماعة ارهابية تحقيق أهدافها وعقد اجتماعات تنظيمية داخل محبسه.
لجأت الأجهزة الأمنية لحبس شادي أبو زيد احتياطيًا قرابة عشرين شهرًا ثم تدويره في قضية جديدة لكونه فنان ساخر، صوّر فيديو يقوم في نظر الدولة بالسخرية من أجهزة الأمن، رغم عدم ارتكابه فعلًا واضحًا يعاقب عليه القانون. لا يمكن فهم سياق إعادة حبس شادي احتياطيًا سوى أنه رسالة ترهيب لمدوني الفيديو والمحتوى الساخر على الإنترنت من أن يقتربوا بمحتواهم الإبداعي مما قد اقترب منه شادي وإلا لاقوا نفس مصيره.
بدرجة مشابهة، تم الحكم على المحامي عمرو نوهان عسكريًا بالسجن لثلاث سنوات بتهمة إهانة رموز الدولة في 21 أكتوبر 2015 عقب نشر صورة كاريكاتير لرئيس الجمهورية. ثم قُبض عليه مرة أخرى في 12 يونيو 2019 من قسم شرطة بالإسكندرية أثناء زيارة أحد موكليه بحجز القسم، حيث تم عرضه على نيابة أمن الدولة بالقاهرة على ذمة القضية 741 لسنة 2019 بتهمة الانضمام لجماعة ارهابية.
أو كما في حالة المدون ومطور البرمجيات علاء عبدالفتاح، والذي كان يقضي عقوبة المراقبة الشرطية لمدة 12 ساعة داخل قسم الشرطة يوميًا، بعد قضاء خمس سنوات في قضية أحداث مجلس الشورى. قبل أن يتم  القبض عليه مرة أخرى يوم 29 سبتمبر 2019 أثناء مراقبته بقسم الشرطة ليتم عرضه يومها مباشرة على نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 ومتهمًا بالانضمام لجماعة إثارية لم يحددها محضر التحريات ولا النيابة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن علاء كان يقضي عقوبة تكميلية قصوى وهي قضاء 12 ساعة يوميًا قيد المراقبة الشرطية بقسم الشرطة، ورغم رفعه دعوى قضائية للحصول على حكم بالسماح له بقضاء فترة العقوبة التكميلية بمنزله، إلا أن السلطات فضلت تدويره في قضية أخرى عقب فترة وجيزة من انتهاء مدة حبسه رغم مناقضة تهمه الجديدة وتوقيتها للمنطق. إلا أن كون علاء أحد الوجوه البارزة لثورة 25 يناير والتيار المدني قد جعله التفسير الأرجح لحبسه مرة أخرى.

تنطق نفس الحالة على كل من المحامي العمالي هيثم محمدين والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، فكونهم أيضًا من الوجوه البارزة للتيار المدني وثورة يناير، قد أصبح وحده كافيًا لحبسهم المتكرر بغض النظر عن ارتكابهم مايستوجب حبسهم بموجب القانون من عدمه.
ففي حالة هيثم محمدين، فقد تم القبض عليه للمرة الأولى في 22 أبريل 2016 على خلفية الاحتجاجات ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وعُرض على النيابة العامة في القضية 58 لسنة 2016. واجه هيثم تهمًا تتعلق بالتحريض على التظاهر وقلب نظام الحكم، والانتماء لجماعة ارهابية، حيث تم  حبسه احتياطيًا على ذمة القضية إلى أن قررت محكمة جنايات الجيزة إخلاء سبيله على ذمة القضية بتدابير احترازية في 9 أكتوبر من نفس العام.
وألقت السلطات القبض على هيثم للمرة الثانية فجر الجمعة 18 مايو 2018 من منزله ليُعرَض على نيابة أمن الدولة بتهم الاشتراك مع جماعة أُسست على خلاف القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من مباشرة عملها، والتجمهر، ومقاومة السلطات، في القضية رقم 718 لسنة 2018 والتي عُرفت حينذاك باسم “إحتجاجات المترو”. ظل هيثم قيد الحبس على ذمة القضية، إلى أن قررت محكمة جنايات الجيزة إخلاء سبيله بتدابير احترازية مرتين اسبوعيًا على ذمة القضية، والتي تم تخفيفها لمرة واحدة أسبوعيًا في 5 يناير 2019 بقرار من المحكمة.
غير أنه وللمرة الثالثة ورغم كون حريته مقيدة بواقع التدابير الاحترازية، قد قبض عليه من داخل قسم شرطة الصف في 13 مايو 2019 عقب توجهه للإستعلام عن صحة ما قيل له عن عودة تدابيره الاحترازية مرتين أسبوعيًا بدلًا من مرة واحدة بدون قرار قضائي وعن تحرير محضر حمل رقم 22  لسنة 2019 يتهمه بالتهرب من حضور تدابيره الاحترازية ليُعرَض للمرة الثالثة على نيابة أمن الدولة بعد ثلاثة أيام من الإخفاء القسري على ذمة القضية رقم 741 لسنة 2019. أتهم بمشاركة جماعة إرهابية تحقيق أغراضها مع العلم بأغراضها، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
أما ماهينور المصري، فقد تم الحكم عليها غيابيًا بالسجن لمدة عامين في 2 يناير 2014 في القضية رقم 15125 لسنة 2013 جنح المنشية. وتم تخفيفها حضوريًا للحبس ستة أشهر في 21 يوليو بعد أمر المحكمة بالتحفظ عليها بعد حضورها لجلسة معارضتها الاستئنافية في 20 مايو من نفس العام، بتهمة التظاهر دون تصريح وقطع الطريق والاعتداء على أفراد أمن أثناء تأدية عملهم وإتلاف ممتلكات عامة أثناء انعقاد احدى جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشاب السكندري خالد سعيد.
في نفس الوقت، كانت ماهينور قد أحيلت فيه للمحاكمة على ذمة قضية أخرى بنفس التهم قُيِّدت برقم 6868 لسنة 2013 جنح رمل أول، حيث تم الحكم عليها بالسجن لمدة عامين مع كفالة 5 آلاف جنيه لوقف التنفيذ لحين الاستئناف وذلك في جلسة 9 فبراير 2015، وتم التحفظ عليها أثناء جلسة الاستئناف بتاريخ 11 مايو، حيث خفف الحكم لسنة وثلاثة أشهر في 31 مايو من نفس العام.
أحيلت ماهينور إلى المحاكمة مرة ثالثة في عام 2017 عقب اتهامها بنفس التهم في القضية رقم 29001 لسنة 2017 جنح منتزه أول. تم التحفظ عليها مرة ثالثة خلال احدى جلسات محاكمتها في 18 نوفمبر 2017 وحكم عليها بالسجن عامين في 30 ديسمبر من نفس العام، ليتم الحكم ببراءتها في الاستئناف في 13 يناير 2018.
بينما كانت المرة الرابعة للقبض عليها يوم 22 سبتمبر 2019، حيث تم اختطافها من أمام مبنى نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس بالقاهرة عقب حضورها التحقيق كدفاع عن المحامي عمرو نوهان، ليتم عرضها على نفس النيابة في اليوم التالي كمتهمة على ذمة القضية 488 لسنة 2019 بتهمة “مشاركة جماعة ارهابية في تحقيق أغراضها وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
العقاب الممتد واستهداف أقارب الخصوم ومحاميهم
لا تقف العقوبة عند من تعتبره الدولة خصمًا مباشرًا بل كثيرًا ما تمتد بشكل مباشر للأقارب والأبناء. في حالة علا القرضاوي فلم يتم سجنها على الأرجح إلا لكونها ابنة الداعية يوسف القرضاوي بحكم التهم التي تم توجيهها إليها، ففضلًا عن كونها وزوجها -حسام خلف عضو حزب الوسط- إحدى الحالات البارزة على نموذج التدوير الداخلي والذي تتبعه السلطات كما حدث مع مدون الفيديو شادي أبو زيد، فهي أيضًا تبدو كحالة استهداف للمعارضين والشخصيات العامة عن طريق استهداف أقرباءهم.
ألقت قوات الأمن القبض على الزوجين من أحد منتجعات الساحل الشمالي في أول يوليو 2017 ليتم عرضهما على نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 316 لسنة 2017 بتهم الانضمام لجماعة ارهابية والتخطيط لعمليات ارهابية. وظل الزوجان لمدة عامين كاملين تحت الحبس الاحتياطي ودون التمكين من الحق القانوني في الزيارة أو التواصل مع الأهل أو المحامين، قبل أن تقرر غرفة مشورة محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيلها بتدابير إحترازية ودون إجراء استئنافي من النيابة، ليتم عرض علا في اليوم التالي مباشرة على نيابة أمن الدولة مرة أخرى على ذمة قضية جديدة حملت رقم 800 لسنة 2019، بينما تم إخلاء سبيل زوجها لاحقًا ثم القبض عليه مجددًا على ذمة قضية جديدة هو الآخر.
وبطبيعة الحال تمتد الخصومة لمن يتصدى لملفات حقوقية ملحة في مصر مثل حالة المحامي ابراهيم متولي حجازي، والذي تم القبض عليه يوم 10 سبتمبر 2017 من مطار القاهرة قبل سفره إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان، حيث كان قد أعد ملفًا كاملًا عن الإخفاء القسري في مصر لعرضه على الفريق الدولي المعني بالإخفاء القسري بالأمم المتحدة في دورته ال133، وهو ما اعتبرته السلطات محاولة تشوية لصورة مصر في الخارج. إضافةً لكون نجله مخفى قسري منذ وقت مبكر نسبيًا قبل انتشار عمليات الإخفاء بشكل موسع وممنهج، حيث يعتبر في عداد المختفين قسرًا منذ أحداث دار الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013.
استهدفت السلطات المصرية إبراهيم متولي لكونه مؤسسًا لرابطة تضم ذوي المختفين قسريًا ومحاميًا في قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. حيث اقتيد عقب القبض عليه مباشرة إلى مقر للأمن الوطني بالعباسية، تعرض للتعذيب لمدة ثلاثة أيام قبل عرضه على نيابة أمن الدولة يوم 13 سبتمبر على ذمة القضية رقم 900 لسنة 2017، وواجه اتهامات بتأسيس وقيادة جماعة أُسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة والتواصل مع جهات خارجية.
بقي ابراهيم متولي قيد الحبس الاحتياطي لما يزيد عن عامين قبل أن تخلي النيابة سبيله في 14 أكتوبر 2019، ثم مثَل أمامها مرة أخرى على ذمة القضية رقم 1470 لسنة 2019 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويل الإرهاب.
على نفس المنوال، مر المحاميان عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات وعزوز محجوب بنفس العملية الإجرائية. فقد قبض عليهما يوم 1 مارس 2018 عقب ظهور السيدة منى محمود ابراهيم والمعروفة اعلاميًا باسم أم زبيدة في تقرير لقناة بي بي سي عن الإخفاء القسري بمصر، حيث تم ضمهما للقضية 441 لسنة 2018 والتي عُرفت بقضية الحراك الإعلامي بعدة تهم منها الإنضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة، حيث ظلا قيد الحبس الاحتياطي الى أن قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيلهما بتدابير احترازية في 4 سبتمبر 2018، واختفى كلاهما من قسم الشرطة أثناء إنهاء إجراءات إخلاء سبيلهما، حيث ظل عزت غنيم محتجزًا لدى الأمن الوطني بالشيخ زايد قرابة الخمس أشهر، أصدرت خلالها محكمة جنايات القاهرة قرارًا بضبطه وإحضاره في 20 أكتوبر 2018 لتغيبه قسرًا عن التدابير الاحترازية بسبب احتجازه لدى الأمن الوطني.
ظهر عزت غنيم 9 فبراير 2019 في معهد أمناء الشرطة لتجدد المحكمة حبسه على ذمة نفس القضية 45 يومًا، ثم عُرض بعدها على نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 1118 لسنة 2019 بتهمة الإنضمام لجماعة ارهابية،  بينما ظهر المحامي عزوز محجوب أمام نفس المحكمة في 2 مارس والتي أصدرت بحقه نفس القرار. لم تأمر المحكمة بفتح تحقيق في شأن احتجازهما غير القانوني وإخفائهما قسرًا لفترة تجاوزت الخمسة أشهر لكل منهما وعدم تمكينهما عمدًا من حضور التدابير الاحترازية، بدلًا عن ذلك، قامت بتجديد حبس كل منهما احتياطيًا من جديد.
وتكرر نمط القبض على المحامين حتى أثناء تأدية عملهم، مثل محمد رمضان عبدالباسط، الذي تم حبسه للمرة الأولى في 6 ديسمبر 2016 من أحد أقسام الشرطة بالاسكندرية ثم عُرض على نيابة شرق الاسكندرية متهمًا بالتحريض على ارتكاب أعمال ارهابية وإهانة مؤسسات الدولة. أخلي سبيله حينها في اليوم التالي بكفالة مالية، بينما أُحيلت القضية للمحكمة برقم 5314 لسنة 2017 بمواد القانون 94 لسنة 2015 والمعروف بقانون الإرهاب، حيث تم الحكم عليه غيابيًا في 12 أبريل 2017 بالسجن عشر سنوات والإقامة الجبرية خمس سنوات بالإضافة لمنعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لخمس سنوات.
قبض عليه في تلك الأثناء للمرة الثانية في 16 يونيو 2017 حيث تم اتهامه أمام النيابة العامة بالإسكندرية بالتظاهر دون تصريح وقطع الطريق، إلى أن أمرت المحكمة بإخلاء سبيله في 19 أغسطس 2017. ثم قبض عليه مرة أخرى في 10 ديسمبر 2018 عقب حضور التحقيق مع أحد موكليه، واختفى قسريًا مدة يومين ثم تم عرضه على النيابة بالاسكندرية على ذمة القضية 16576 لسنة 2018 والتي عُرفت اعلاميًا بقضية السترات الصفراء متهمًا بالانضمام لجماعة ارهابية، ونشر أخبار كاذبة، وحيازة سترات صفراء بنية توزيعها على المتظاهرين على غرار تظاهرات فرنسا آنذاك.
وقد جاء نصًا في أحد محاضر التحريات المحررة ضده بأنه “دائم الترافع في القضايا السياسية والدفاع عن الجماعات الإثارية”، فلا يمكن فصل استهداف محمد رمضان وغيره من المحامين الحقوقيين عن السياق العام الذي تنتهجه السلطات والذي يستهدف حتى المحامين الذين يدافعون عن المحبوسين احتياطيًا.
خاتمة:
ضد التواطؤ القانوني والعنف المؤسسي
لجأ نظام السيسي منذ وصوله إلي الحكم في 2013 إلى التوسع في استخدام الحبس كإجراء عام في مواجهة معارضيه. كما لجأ إلى تعديل قانون الإجراءات الجنائية عدة مرات، بما يتيح له المناورة التشريعية ليسمح للنيابة وللسلطة القضائية المعنية بالتحرر من قيود المُدَد المحدِدة للحبس الاحتياطي، ليصبح حبسًا مطلقًا ومعفيًا من أي عقبات قانونية.
وفيما يبدو توزيعًا للأدوار، لا يصدر قرار بإخلاء سبيل متهم من غرفة مشورة أو محكمة جنايات إلا وتتبعه نيابة أمن الدولة باستئناف عليه أمام محكمة مساوية، وعادة ما يتم قبول استئناف النيابة ليستمر الحبس الاحتياطي مجددًا.

لم تحقق النيابة في حالة واحدة بشأن تعرض الماثلين أمامها للإخفاء القسري والتعذيب، رغم تعرض أغلبهم لفترات متعددة من الإخفاء القسري تتراوح بين أيام وشهور، ورغم تقديم ما يثبت تعرضهم للإخفاء قسرًا بتلغرافات مُرسَلة لجهات عدة تمثل السلطتين التنفيذية والقضائية.

وفضلًا عن تجاهل النيابة لأغلب الشكاوى التي يقدمها المتهمون، سواء كانت متعلقة بملابسات وظروف عمليات الاعتقال أو مدد الإختفاء القسري أو شكاوى الإكراه البدني أو المعنوي التي تعرضوا لها في مقرات الأمن الوطني، أو الأوضاع الصحية أو العمرية وأوضاع أماكن الحبس، فإن النيابة لا تستجيب لأي من الشكاوى أو الطلبات المقدمة. بينما تستجيب النيابة فورًا لمحاضر تحريات الأمن الوطني بصرف النظر عن منطقية محتواها وتماسك تهمها.

بهذه الخطوات، تحول الحبس الاحتياطي من إجراء مؤقت وفق ضوابط تقتضيها مصلحة العدالة الجنائية وسير التحقيقات، إلى أداة انتقامية بصيغة إعادة التدوير تستخدمها السلطات المصرية للإبقاء على منتقديها في أقبية السجون.

للاطلاع على تقريرإعادة تدوير القمع: جذور الاعتقال المتجدد للسجناء السياسيين في مصر

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts
×

Hello!

Click one of our contacts below to chat on WhatsApp

×