بلادي جزيرة الإنسانيّة — منظّمة حقوقيّة تدعم النّساء والأطفال في مصر منذ 2017
تعمل بلادي على تفكيك البنية المؤسسيّة للعنف والظّلم من خلال توثيق انتهاكات النّظام المصريّ ضدّ الأطفال/ات والنّساء والأقليّات وتوعية المجتمع الوطني والدّولي وأصحاب القرار بها. كما تقوم بالضّغط والمناصرة من أجل تعديل التّشريعات التي تقنّن الإنتهاكات مع مناشدة السّلطات لتفعيل القوانين المهجورة، والتي بتطبيقها يمكن حماية الحقوق والحريّات. توفّر بلادي سبل الحماية والدّعم القانوني والنّفسي الأطفال/ات والنساء المصريّين/ات السّجناء/ات على خلفيّة قضايا سياسيّة.
في إطار اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، تسلّط بلادي الضّوء على ممارسات النّظام المصري من تعذيب وتنكيل ضاربًا عرض الحائط بكل المواثيق والقوانين التّي تكفل حقوق المرأة. وتخصّ الأرقام التّالية معاناة 264 سجينة سياسيّة تراوحت أعمارهن بين 14 و64 سنة عند القبض وتم سجنهن بين 2013 و2022.
تعرّف الأمم المتّحدة التّعذيب ك”أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديّا كان أم عقليّا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.
رصدت بلادي وقائع تعذيب لـ 264 سجينة سياسيّة منهنّ 29 (10.9%) فتاةً تتراوح أعمارهنّ بين 14 و17 سنة.
رصدت بلادي تعرّض 264/207 (78.4%) من السجينات السياسيات إلى التّعذيب الجسدي من قبل الضباط أو السجّانات كالآتي:
عذّب النّظام المصري 207/160 (%77.3) سجينة بالضّرب المبرّح والصّفع والسّحل وشد الشعر والعض حتّى التّسبب بإصابات بالغة تتراوح بين النزيف والشلل والرّضوض والكدمات والجروح والكسور والإغماء والجروح على مستوى الرّأس، والإصابات البالغة على مستوى العين والفكّ. ورصدت بلادي بين هؤلاء نساءً حوامل أدّى الضّرب الشّديد في البطن وأسفل الظّهر لإصابتهن بالمغص الشّديد أو النّزيف ونزول الماء حول الجنين.
رصدت بلادي تعذيب السّلطات لـ 207/54 (26%) سجينة سياسية بإستعمال أدوات مختلفة مثل الصعق بالكهرباء، الحرق بالسجائر، الضرب بكعب البندقية، الهراوات، العصي، الأحذية، الكراسي، السياط والفلكة، إلخ.
رصدت بلادي إعتماد السلطات المصرية لضروب متنوعة من التعذيب مثل الإجبار على الوقوف على رجل واحدة، الإجبار على النوم على الأرض، الرش بالمياه، التقييد بالكراسي، الإجبار على السير دون حذاء، تعصيب العينين، فتح ماسورة الماء على السجينات وذلك ضدّ 207/26 (12.6%) سجينة سياسية. كذلك التعذيب من خلال الاحتجاز في ظروف غير آدمية في زنازين ضيقة، باردة، تملؤها المياه في الشتاء، تعج بالحشرات ودخان السّجائر وعديمة الإضاءة والتهوية، خالية من دورات المياه، وذلك ضد 207/28 (13.5%).
رصدت بلادي وقائع تعذيب بالإعتداء الجنسي ضدّ 264/55 (%20.8) سجينة سياسيّة كالآتي:
– تعرّضت 55/48 (87.3%) سجينة للتّحرش اللّفظي (توجيه كلمات مخّلة ونابية، الخ) المصاحب للتّحرش الجسدي (لمس مناطق حميميّة).
– تعرّضت 55/7 (12.7%) سجينة إلى التّعرية من خلال المنع أو التّجريد من الملابس أو تعرية سجناء رجال أمامهنّ.
– تعرّضت 55/14 (25.5%) سجينة للإختبارات الطّبيّة القسريّة مثل الفحص الشّرجيّ وفحص العذريّة وتفتيش الأعضاء التّناسليّة وفحص الحمل الإجباري. كما رصدت بلادي حالة اعتداء جنسي لمحتجزة من قبل أحد الضّباط حيث أجبرها على وضع عضوه الذكريّ في فمها داخل عربة التّرحيلات
رصدت بلادي وقائع تعذيب 264/89 (33.7%) سجينة سياسية عبر الضّغط النفسيّ الشّديد والمتكرّر كالآتي:
– التّهديد والوعيد المستمرّ من قبل الضبّاط والسّجّانات ومسؤولات العنابر بالضّرب أو بالحرمان من الرّعاية الصّحيّة أو بالصّعق بالكهرباء والإغتصاب أو بالقبض على أحد أفراد العائلة وتعذيبه/ها ضدّ 89/38 (42.7%) سجينة.
– توجيه عبارات مهينة للكرامة الإنسانيّة والسّبّ والشّتم والنّعت بأبشع الألفاظ ضدّ 89/55 (61.8%) سجينة.
– الإجبار على رؤية أو سماع تعذيب شخص/أشخاص في بعض الأحيان من أفراد الأسرة، الإجبار على مسح الأرضية بالكامل كنوع من الإهانة، ووضع الأكل أمام باب الحمام ضدّ 89/27 (30.3%) سجينة.
كما رصدت بلادي إجبار سجينة على البقاء في غرفة شديدة الإضاءة على مدار 24 ساعة كاملة.
رصدت بلادي وقائع تعذيب 264/53 (20.1%) سجينة سياسية عبر حرمانهن من تلبية حاجياتهن البيولوجيّة الأساسيّة كاستعمال دورة المياه وعبر الإهمال الصحي المتعمّد كالحرمان من الأدوية ومن المستلزمات الصحيّة أو النقل الى المستشفى. كذلك رصدت بلادي حرق أدوية سجينة سياسية أمامها بالرغم من حاجتها الماسة إليها.
تنص المادة 55 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على “كل من يُقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً. وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه.”
كما تنص المادة 126 من قانون العقوبات المصري على “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر. وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدا”.
وهنا نلاحظ ثلاث نقائص أساسية منها أن المشرع لم يضع تعريفا للتعذيب ماديا أو نفسيا، أو ينص ولو على سبيل المثال على بعض الأفعال المادية التي إن وقعت تعد محققة للركن المادي من الجريمة، أن المشرع لم يتطرق لتوضيح من هو الموظف العمومي المقصود، ثم أن المشرع قد اشترط لوقوع الجريمة أن تقع لهدف محدد وهو حمل متهم/ة على الاعتراف. بمعنى أدق فإن الجريمة هنا، وطبقا لنص قانون العقوبات، يصبح وصفها “تعذيب متهم لحمله على الاعتراف” وليس التعذيب كجريمة مستقلة كما ذكرها الدستور.
كما نذكر المادة 282 فقرة 2 من قانون العقوبات المصري التي تنص على “…ويحكم في جميع الأحوال بالسجن المشدد على من قبض على شخص بدون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبه بالتعذيبات البدنية”. ونجد هنا أيضا أن العقاب يكون على فعل التعذيب المادي فقط دون التعذيب النفسي، واشترط أن يكون فعل التعذيب البدني مقترنا بالقبض دون وجه حق، وليس التعذيب كجريمة مستقلة.
ومن الإيجابي أن المشرع جعل هاتين الجريمتين لا تنقضيان بالتقادم، أي لا يسقط الحق في المساءلة الجنائية عنها بمضي أي مدة وذلك بموجب المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الثانية.
وأخيرا، نجد أن القانون قد نص على تجريم فعل من أفعال التعذيب ضمنا، في المادة 129 من قانون العقوبات، والتي تنص على “كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتماداً على وظيفته بحيث إنه أخل بشرفهم أو أحدث آلاماً بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه مصري”. فنجد هنا أن هذه المادة قد نصت على تجريم فعل وصفته بـ”استعمال القسوة” من قبل موظف عمومي وبسبب وظيفته واستلزمت لوقوع الجريمة، أن ينتج عن استعمال هذه القسوة الإخلال بشرف المجني عليه أو إحداث ألم ببدنه أي أنها لم تحدد فعلا ماديا يمكن أن يمثل هذه الجريمة كما أنها عوّلت في معيار وقوع الجريمة من عدمها على أمور معنوية كالإخلال بالشرف أو الشعور بالألم. كما أن المشرع لم يشملها بنص المادة 15 إجراءات، أي أن هذه الجريمة يمكن أن تنقضي الدعوى الجنائية فيها بمضي المدة.
وعليه تدعو بلادي السلطات المصرية أولا لتطبيق القوانين التي تحمي المواطنين والمواطنات من التعذيب، كما تدعو لمراجعة هذا الإطار التشريعي غاية تحسينه، ثم الإقرار والاعتراف باستخدام الإخفاء القسري والتعذيب بأنواعه، والسعي الجاد والعاجل للقضاء على هذه الجرائم. والعمل على تأهيل الناجين/ات وجبر الضرر لهم/هن ولعائلاتهم/هن، ومحاسبة المتورطين/ات في تعذيب المواطنين والمواطنات.