:عرف الإخفاء القسري في نصوص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري والتي تتكون من 45 مادة – بأنه
“الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
في اليوم العالمي لضحايا الاخفاء القسري، تستمر السلطات المصرية في استخدام الاخفاء القسري ضد مواطنين مصريين بشكل ممنهج ولا تستثني منهم الأطفال والقُصَّر دون 18 سنة، حيث وضعت الدولة نصوصاً استثنائية سٌمّيت بقانون الارهاب “القانون 94 لسنة 2015، ثم :أدخلت عليها تعديلات أخرى لاحقاً في أبريل 2017 و فبراير 2019، فتنص المادة 40 من القانون على
“لمأمور الضبط القضائي، لدى قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب ولضرورة تقتضيها مواجهة هذا الخطر، الحق في جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز أربع وعشرين ساعة. ويحرر مأمور الضبط القضائي محضرًا بالإجراءات، ويعرض المتحفظ عليه صحبة المحضر على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال. وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، لذات الضرورة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة وقبل انقضاء المدة المنصوص عليها فيها، أن تأمر باستمرار التحفظ، لمدة أربعة عشر يومًا، ولا تجدد إلا مرة واحدة، ويصدر الأمر مسببًا من محام عام على الأقل أو ما يعادلها. وتحسب مدة التحفظ ضمن مدة الحبس الاحتياطي، ويجب إيداع المتهم في أحد الأماكن المخصصة قانوناً”.
وفيما تضفي مواد قانون مكافحة الإرهاب صياغات فضفاضة على تعريف الإرهاب ومرتكبيه، فإن هذه المادة تحديدًا تضفي صبغة قانونية على ممارسة الأجهزة الأمنية للإخفاء القسري بما فيه حق “التحفظ” لمدة تقارب الشهر دون التحقيق “رسميًا” مع المتهم فيما تظل أماكن الاحتجاز مجهولة في أغلب الأحيان عن المتهم وذويه ومحاميه طوال فترة الاحتجاز، وتظل سبل تواصل المتهم مع ذويه ومحاميه منقطعة تمامًا، وهو المخالف للمادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أنه: “يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورًا أقوال المتهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرئه، يرسله في مدى 24 ساعة إلى النيابة المختصة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف 24 ساعة ثم تأمر بالقبض عليه أو إطلاق سراحه”. وللمادة 54 في الدستور المصري المُعَدَّل في يناير 2014 التي تنص على أنه “فى جميع الأحوال لايجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب”..
وبينما قنّنت الدولة المصرية بتلك النصوص الاستثنائية للقانون الاستثنائي – والتي تتناقض كليةً مع مواد أخرى في الدستور المصري المُعَدَّل في يناير 2014 – عمليات الاخفاء القسري، إلا أنها تستمر في إنكار ممارسته من قبل أجهزتها الأمنية مؤكدةً بأن من تحتجزهم في السجون هم ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية بالسجن أو من هم على ذمة حبس احتياطي بأمر من النيابة العامة في قضايا تتعلق بالإرهاب بحسب المواد الخاضعة لقانون الإرهاب، ونافيةً في حالات أخرى وجود عدد من المختفين قسريًأ بحوزة أجهزة الأمن من الأساس، الأمر الذي فتح الباب على مصرعيه أمام أجهزة الأمن لممارسة انتهاكات اخرى مثل القتل خارج إطار القانون.
من ضمن الأمثلة تعرض الطفل “محمد نادر فتحي” للاختطاف من قبل كمين أمني من محل إقامته بالعاشر من رمضان في 10 نوفمبر 2017 وقامت أسرته بإرسال تلغراف للنائب العام بتعرّض محمد للإختطاف على يد قوات تابعة لوزارة الداخلية، بينما ظل محمد قيد الإختفاء في مكان مجهول لمدة 13 يومًا. حينها أعلنت بعدها وزارة الداخلية عن مصرعه بالاضافة لإثنين آخرين في تبادل لإطلاق النار مع قوات تابعة للشرطة يوم 22 نوفمبر في بيان صدر في اليوم التالي، وعثرت أسرته على جثته بمشرحة وادي النطرون وبها 6 رصاصات بالصدر والبطن والرأس، فيما لم تٌمكَّن الأسرة من استلام جثته الا بعد مرور 18 يومًا.
رصد المركز 225 حالة إخفاء قسري بحق الأطفال في الفترة مابين بداية يوليو 2013 وحتى نهاية يونيو 2019.
منهم 198 حالة في الفترة من يوليو 2013 وحتى ديسمبر 2018. حيث تنوعت ظروف وقائع الاختفاء ما بين منشآت خاصة وكمائن أمنية ومنشأت تعليمية ومقرات احتجاز.
جاءت محافظة الشرقية في بداية ترتيب انتهاك الإخفاء القسري بعدد 39 حالة اختفاء، تليها محافظة الاسكندرية 26 حالة، ثم محافظة شمال سيناء ب21 حالة، والقاهرة ب18 حالة اختفاء، وتوزعت باقي الانتهاكات على المحافظات المختلفة.
جاء عامي 2016 و2017 بأكبر عدد حالات الإختفاء القسري بواقع 85 و52 حالة على الترتيب، وذلك في أعقاب إقرار العمل بقانون الإرهاب.
فعلى سبيل المثال قبض على طالب الثانوية العامة الحسيني جلال في 25 مايو 2016 من أمام مركز تعليمي بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة بواسطة قوات شرطية ومازال قيد الاختفاء حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
قبض على آسر زهر الدين عبدالوارث من منزله فجراً على يد قوات من الشرطة بزيٍ مدني وشرطي بتاريخ 12 يناير 2016 واقتادته إلى مكان غير معروف لمدة 33 يومًا تبين فيما بعد أنه مقر الأمن الوطني بالشيخ زايد، وقد أفاد فيما بعد أمام النيابة بتعرضه للتعذيب بالصعق الكهربي والحرمان من النوم بتقييده في وضع الوقوف، بينما ينتظر حاليًا الحكم عليه في القضية رقم 1516 لسنة 2016 جنايات الجيزة والمعروفة اعلامياً بقضية تفجير فندق الأهرامات الثلاثة.
فيما قبض على الطفل السيناوي عبدالله بومدين في ديسمبر 2017 وقد ظل رهن الإخفاء القسري حتى يوليو 2018 حينما تم عرضه على نيابة أمن الدولة على ذمة قضية رقم 570 أمن دولة عليا، وظل رهن الحبس الانفرادي بقسم الأزبكية، إلى أن حكمت محكمة الأحداث بالعباسية في 27 ديسمبر 2018 بتسليمه إلى أسرته، ليختفي قسريًا مرة أخرى من قسم ثاني العريش حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
رصد التقرير 27 حالة اختفاء قسري بحق الأطفال في الفترة ما بين يناير 2019 وحتى يوليو 2019. حيث استحوذ شهر مارس من عام 2019 على النسبة الأكبر من عدد الأطفال الذين تعرضوا للإخفاء القسري في أعقاب حادث حريق محطة مصر في 27 فبراير 2019، حيث تعرض 23 طفلاً للإخفاء القسري بالقاهرة والأسكندرية والشرقية ومحافظات أخرى على خلفية دعوة لاحتجاجات بالصفافير والأواني كانت قد سبقت الحادث.
بينما ألقي القبض على الطالب بالصف الأول الثانوي صلاح الدين محمد فهمي من على مقهى بمنطقة المرج بالقاهرة يوم 27 فبراير مساءً أثناء مشاهدة مباراة لكرة القدم عقب دعوة إحدى الفضائيات للإحتجاج بمسيرات للأواني والصفارات، وقد تم احتجازه دون علم أهله بمكانه ثم عرضه على نيابة أمن الدولة وحبسه احتياطياً على ذمة القضية 1739 لسنة 2018 منذ حينها وحتى لحظة كتابة التقرير.
الاختفاء القسري من واقع الأوراق الرسمية
فيما يلي بعض من الأقوال الواردة في نص تحقيقات النيابة
“أمي أخدتني من إيدي بعد العشا على أساس بتسلمني للضباط الموجودين هناك وتفهمهم اني ماليش علاقة بحاجة علشان دي الحقيقة وفعلا ساعتها لما دخلنا عند الحملة فوجئت بواحد من المخبرين بيقول للضابط هو ده إسلام حماده يا باشا, راحوا مطلعيني وركبوني مدرعة وغموا عينيا من غير مايسمعوني ولا يسمعوا أمي عاوزة تقول ايه وبعد كده أخدوني على مكان معرفش هو ايه بالضبط” .. “قعدت اعيط وانكر الكلام فكانوا بيعذبوني بالكهربا وانا عريان”
إسلام محمد طلبة بدوي، البصارطة – دمياط، مواليد 2 يوليو 2000، قضية رقم 123 عسكرية.
“شغال في ورشة المطابخ في المدينة الصناعية لغاية ما قبضوا عليا من حوالي 100 يوم وانا في البيت وودوني على قسم أول عريش وفضلت هناك يومين ومنها على الأمن الوطني في العريش وفضلت هناك لحد ما اتعرضت على النيابة النهاردة”
مهدي حماد سلمي حماد، العريش، مواليد 5 يونيو 2001، قضية رقم 148 عسكرية.
“كنت ماشي على المحطة عندنا في البلد لقيت ناس تبع الشرطة جم قبضوا عليا وركبوني ميكروباص وغطوا عينيا وودوني مكان معرفوش وفضلت هناك لغاية ما اتعرضت على النيابة”
بلال حسانين عبدالعزيز حسانين، مركز منيا القمح، الشرقية، مواليد 18 فبراير 1999ن قضية رقم 64 عسكرية.
لم تقم النيابة العامة بأية تحقيقات حول أيٍ من تلك الشكاوى والأقوال أو غيرها والتي وُجِهت مباشرة للنيابة أثناء التحقيقات فيما تضمنته من أقوالٍ بتعرض الأطفال والقٌصَّر للاخفاء القسري والتعذيب بمقرات احتجاز داخل مقرات أجهزة أمنية، ولم تقم بتحريك أية دعاوى لملاحقة من قام بارتكاب تلك الانتهاكات في أجهزة الأمن. على النقيض، كان التعامل الرسمي والكتابي السائد مع ضباط من الأمن ممن يعتبروا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن تلك الانتهاكات باعتبارهم رجال تنفيذ للقانون أو شهود.
الخاتمة والتوصيات
لم توقع الدولة المصرية على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري التي تم اقرارها في ديسمبر عام 2006، وقد أغفل التشريع المصري ذكر الإخفاء القسري باعتباره جريمة في الدستور المصري، حيث لم يحدد نصوصًا واضحة تمنع جريمة الإخفاء القسري وملاحقة ممارسيه.
نطالب الدولة المصرية بالتوقيع على الاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2010، كما نطالب بإلغاء القانون 94 لسنة 2015 والمعروف باسم قانون الإرهاب، لتشريعه للإخفاء القسري ولعدم وضوح نصوصه فيما يتعلق بتعريف الإرهاب الأمر الذي يجعلها تهم فضفاضة قابلة للمط والتنكيل بمعارضين سلميين وبالمهتمين بالشأن العام.
كما نطالبها بالتوقف عن القبض على الأطفال وإخفائهم قسرياً ووضع نص تشريعي واضح يحول دون ذلك ونصاً آخرًا يسمح بمساءلة وملاحقة المسؤولين في أجهزة الأمن الذين يقومون بإصدار الأوامر بممارسة هذا الانتهاك بحق الأطفال.