تعد القضية ١٣٣٨ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة عليا والمعروفة إعلاميًا بـ”اعتقالات ٢٠ سبتمبر” أكبر قضية في تاريخ مصر القضائي من حيث عدد المتهمين وتنوعهم الجغرافي والاجتماعي والعمري؛ إذ ضمت القضية ٤ آلاف مواطن على أقل تقدير بحسب ما رصدته المنظمات الحقوقية بالاستناد إلى قوائم عرض المتهمين أمام النيابة. بالإضافة لقضايا أخرى أعيد فتحها بجانب تلك القضية، مثل القضية ٤٨٨ والتي ضمت المحامية ماهينور المصري والصحفيتان إسراء عبدالفتاح وسولافة مجدي.
بدأت حملة الاعتقالات في ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩، على إثر تظاهرات شعبية منددة بالأوضاع الاقتصادية والفساد في عدد من ميادين مصر، واستمرت لنحو أسبوعين، إذ شهدت مصر خلال هذه الفترة أكبر عملية ترهيب جماعي عشوائي منذ ٢٠١٣. رصد مركز بلادي تطورات ردود الأفعال الأمنية في مصر بعد تلقيه عددًا غير مسبوق من بلاغات القبض والاعتقال على إثر التظاهرات. أخلي سبيل بعضهم دون محاضر رسمية، ووجهت نيابة أمن الدولة لباقي المحتجزين اتهامات مشاركة جماعة ارهابية في تحقيق أغراضها، بث ونشر وإشاعة أخبار كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتنظيم تظاهرة بدون تصريح بما يخالف القانون.
رصد مركز بلادي القبض على ١٩٣ طفلًا و١٩١ امرأة بينهن ثلاث قاصرات. أُخفي قسرًا ٣٤ طفلًا في أماكن احتجاز غير معلومة، وتوزع هؤلاء الأطفال والنساء على المحافظات المصرية، حيث جاءت محافظة القاهرة في مقدمة الاعتقال بواقع ٤٨ طفل يليها محافظة السويس ٣٦ طفلًا، ثم ١٠ أطفال في محافظة دمياط، و٦ أطفال في كل من الإسكندرية وبورسعيد، و٥ أطفال في محافظة الغربية، وطفلين في كل من محافظتي الجيزة والقليوبية، وطفل في بني سويف.
وتضمنت ممارسات الأجهزة الأمنية القبض العشوائي، انتهاك الخصوصية بتفتيش الحقائب والهواتف ومراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل الخاصة والصور، التعدي الجسدي واللفظي أثناء عملية القبض، الإخفاء القسري والاحتجاز في أماكن غير قانونية، الإهمال الطبي، والحرمان من الزيارة والطعام والملابس والتواصل مع العالم الخارجي.
في هذا التقرير، يرصد مركز بلادي رد فعل السلطات الأمنية في تعاطيها مع تظاهرات ٢٠ سبتمبر من خلال فرض إجراءات تعسفية لترهيب المجال العام كحملة مضادة لموجات مفاجئة من الفعل الجماعي الشعبي. حيث جاء رد الفعل الأمني موجهًا عشوائيًا لفاعلين مُفترضين لحالة الحراك مما أدى إلى توسيع دائرة الاشتباه جغرافيًا وفئويًا لتشمل الجميع. فالانتهاكات الواقعة على آلاف المواطنين الذين تم توقيفهم واحتجازهم خلال فترة الأحداث هي صورة مكثفة لموجة الترهيب الجماعي التي تعرضت لها البلاد، لمواجهة أي احتمال جديد للفعل السياسي.
٢- خط سير الانتهاكات
أولاً: ترهيب المجال العام:-
أ- التوقيف العشوائي
تضمن المادة ٥٤ من الدستور المصري الحق في السلامة والحرية الشخصية؛ إذ شملت الحق في الحماية من الاعتقال التعسفي وحق الدفاع والاستعانة بمحام، باعتبار أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مَصونة لا تُمَس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق.” كما نصت المادة على “أن يُبَلَغ فوراً كل من تُقيَد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمَكَن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يُقدَم إلى سلطة التحقيق خلال ٢٤ ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محامٍ، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تُقيَد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال اسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا”.
كما ينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفي جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محامي موكل أو منتدب”.
شملت الحملات الأمنية القبض على الأطفال عشوائيًا وحبسهم في أماكن غير معلومة للأهل أو المحامين ودون تحقيق أو عرض على النيابة لمدة تزيد عن ٢٤ ساعة. وأصدرت النيابة قرارات ضبط وإحضار بأثر رجعي في الأيام التي تلت يوم ٢٠ سبتمبر أثناء عرض المتهمين، وتنوعت أماكن الاحتجاز بين معسكرات تابعة لقوات الأمن ومقرات للأمن الوطني. وتم عرض الأطفال على النيابات بتهم لا تتناسب مع أعمارهم مثل نشر أخبار كاذبة، والتظاهر لتحقيق مصالح جهات إرهابية.
يروي الطفل م.ع (١٧ عام) أنه كان عائدًا من عمله بورشة خاله بمنطقة المصلح بالسويس، ومر بمنطقة شهدت اشتباكات بين المتظاهرين ورجال الأمن مساء ٢٠ سبتمبر وقد صرفه أحد أفراد الأمن المنطقة، قبل أن يستدعيه قسم الشرطة من منزله، متهمًا إياه بالمشاركة في التظاهرات التي شهدتها مناطق من المدينة، ويتم احتجازه وإخفاءه قسرًا لمدة ٤ أيام، قبل أن يظهر أمام نيابة زينهم بالقاهرة في ٢٤ سبتمبر، ومن ثم يودع في المؤسسة العقابية بالمرج. وتم القبض كذلك على الطفل م.ش (١٦ عام) أثناء عودته من عمله بورشة ستائر بوسط البلد.
وامتد الأمر لتوقيف الحياة الدراسية لمن أُلقي القبض عليهم من الطلاب، حيث ألقت قوات الأمن القبض على الطفلة ج. د (١٧ عام) يوم السبت ٢١ سبتمبر أثناء تواجدها بمحيط وسط البلد لشراء مستلزمات العام الدراسي الجديد. وتكرر الأمر مع الطفل م.ع (١٦ عام) والطفلة ج.م ( ١٦عام) أثناء شرائهم أدوات المدرسة من شبرا الخيمة والمطرية. وأثناء عودته من الدرس تم توقيف الطفل م.و (١٣ عام) في المنصورة والطفل أ.ع (١٧ عام) في السويس.
تعرض للقبض العشوائي في هذه الأثناء عدد من الحالات المرضية الحرجة منهم الطفل م.ع (١٧ عام) بالهرم وهو مريض بالصرع، والطفل أ.ع (١٧ عام) بالسويس والذي كان بحاجة لإجراء جراحة عاجلة بجهازه التناسلي.
شملت حملات التوقيف العشوائي مجموعة كبيرة من النساء، بينهن مسنات وقاصرات وحوامل وحالات خاصة؛ إذ تحكي المهندسة د.ن (٢٧ عام) كيف استوقفها أفراد بزي مدني في صباح ٢١ سبتمبر، بإحدى محطات مترو الانفاق قائلة “فوجئت انهم وقفوني وانا خارجة من محطة أنور السادات ورايحة الشغل، ورغم إنهم فتشوا موبايلي ومالقوش عليه أي حاجة تخليني مشتبه بيها، واحد من رجال الأمن قالي ان شكلي يدي على ناشطة سياسية”. تعرضت د.ن للإخفاء القسري 9 أيام ثم الاحتجاز 22 يوم في سجن القناطر للنساء.
على الصعيد الجغرافي، لم تتوقف حملات الاعتقال العشوائي عند محيط التظاهرات فحسب، بل امتدت إلى نطاق واسع شمل نساء وأطفال من محافظات مختلفة؛ إذ ألقت قوات الأمن القبض على بعض النساء من محلات عملهن ومن بيوتهن؛ فقد تم القبض على السيدة ر.ح (٣٦ عام) – وهي أم لأربعة أطفال – من قبل أفراد بزي مدني، في ظهر يوم السبت ٢١ سبتمبر، أثناء بيعها بعض المنتجات في محطة الشهداء (بمحيط ميدان رمسيس). تذكر ر.ح ذلك قائلة: “أخدوني تلاتة لابسين مدني لأوضة التحقيق في المحطة ومنها ودوني في عربية ملاكي لمكان معرفهوش قعدت فيه ١٦ يوم، بعد ما حققوا معايا في ساعة متأخرة بالليل. لقيت نفسي بعدها في اوضة صغيرة مع عشرات البنات والستات، قبل ما يخلوا سبيلي من غير اتهامات”، وقالت السيدة ن.م (٤١ عام) أن قوات الأمن احضرتها من بيتها بمنطقة ناهيا أثناء قيامها ببعض الأعمال المنزلية، ظهيرة السبت ٢١ سبتمبر. وتعرض الطفل ي.أ (١٧ عام) بالسويس للاستيقاف والقبض عليه بينما عائداً من زيارة أخيه المريض بالمنصورة.
كما قالت ن.ع (٣٨ عام) أن قوات الأمن ألقت القبض عليها برفقة شقيقتها أ.ع (٣٥ عام) من محيط ميدان الممر، بمحافظة الاسماعيلية، أثناء شرائهما مستلزمات العام الدراسي لأولادهما. واستوقف رجال الأمن م.ح (٣٩ عام)، التي قدمت من أسوان لإجراء فحوصات طبية، بالقرب من كوبري قصر النيل، في ظهر الجمعة ٢٠ سبتمبر، أثناء توجهها إلى أحد المشافي، لتواجه مصير السجن لمدة ٤٥ يومًا بينهم ١١ يومًا تعرضت خلالها للإخفاء القسري.
ب- انتهاك الخصوصية
لم تكتفِ قوات الأمن بعمليات التوقيف العشوائية، بل لجأت لفحص محتويات الهواتف الشخصية للمواطنين رغمًا عنهم أثناء التوقيف، بما في ذلك حساباتهم وآرائهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفحص تطبيق يوتيوب لعرض مقاطع الفيديو وملفات الصور الشخصية بحثًا عن أي محتوى سياسي قاموا بالاطلاع عليه أو شاركوه على حساباتهم، وإثر ذلك ألقت القبض على المزيد من المواطنين رغم مخالفة ذلك الصارخة لكافة القوانين.
بناء على عمليات التوقيف تلك، مَثُل عدد كبير من المواطنين أمام النيابة بتهم مثل “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركة جماعة إرهابية أهدافها، التظاهر بدون تصريح”، الأمر الذي سجل رقمًا قياسيًا في عدد الموقوفين الذين تم إدراجهم على ذمة تلك القضية والذي اقترب من ٤ آلاف مواطن، فيما لم تفتح النيابة تحقيقًا من جانبها كجهة تحقيق معنية بتطبيق القانون ومساءلة الأجهزة الأمنية وقواتها بكيفية القبض على آلاف المواطنين دون توافر الحد الأدنى من الضمانات، والتي لو تواجدت لما تعرض هؤلاء المواطنين للتوقيف والاحتجاز من الأساس.
لم تحوي هواتف بعض المقبوض عليهم أي دلائل تفيد بمشاركتهم في التظاهرات، أو اعتزامهم ذلك، كما لم تحوى حسابات بعضهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي أي آراء أو انتقادات تعتبرها السلطات دليل إدانة، وعلى الرغم من ذلك، ألقي القبض عليهم، وعرض بعضهم أمام النيابة، بتهم ضمنها إساءة استخدام مواقع التواصل، فيما أطلق سراح البعض الآخر من أماكن الاحتجاز غير الرسمية بعد مدد إخفاء قسري تراوحت بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، من دون أن يتم عرضهم أمام النيابة.
تذكر خ.خ (٢٣ عام) أن رجال الأمن أجبروها على الاطلاع على محتويات هاتفها رغمًا عن إرادتها قائلة: “اتعرضت للسب والقذف، واتهددت بالإخفاء وراء الشمس لو خالفت الأوامر بفتح ملفات وتطبيقات موبايلي، بما فيهم حسابي الشخصي على فيس بوك، ورغم إنه مكنش فيه أي إشارات سياسية قبضوا عليا، لمجرد إني رفضت أوريهم ملفاتي الشخصية”. تعرضت خ.خ للإخفاء القسري لمدة ٨ أيام بمكان مجهول، ثم ظهرت أمام النيابة يوم الأحد ٢٩ سبتمبر، كما أمضت ٣٢ يومًا حبسًا احتياطيًا على ذمة القضية، بسجن القناطر للنساء.
أما ش.ق (٢٠ عام) – طالبة – فقالت : “وقفني فردين أمن بزي مدني في شارع البستان يوم ٢٢ سبتمبر بالليل، وكانت منطقة وسط البلد كلها متكدسة بعربيات الأمن المركزي ساعتها”، وعن سبب اعتقالها قالت: “رغم مرور يومين على المظاهرات، بوست على صفحتي الشخصية على فيس بوك، اعتبره رجال الأمن دليل إدانة كافي انهم يقبضوا عليا، بعد ما أجبروني اني افتحلهم محتويات تليفوني وقراءة بوستاتي بشكل تفصيلي، عشان يلاقوا أي محتوى سياسي”.
ألقت قوات الأمن أيضاً القبض على ثلاث فتيات من منازلهم بمدينة الغردقة، بمحافظة البحر الأحمر، يوم الثلاثاء ٢٤ سبتمبر؛ جراء تفاعلهم على جروب عبر تطبيق “واتس آب” كان يدعو للتظاهرات بالمحافظة، وبحسب شهادة ع.ع (٢١ عام) داهمت قوة أمنية منزلها وقاموا بتفتيش محتوياته من دون إذن من النيابة بذلك، كما أجبروها على الإدلاء بمكان صديقتيها ب.م (٢١ عام) و ش.س (٢٧ عام) اللتان كانتا معها بالجروب ذاته، لينتهي بهم الحال في سجن القناطر للنساء.
ثانياً: الانتهاك الموجه:-
أ- الإخفاء القسري:
تعرض معظم الموقوفين الى الإخفاء القسري عقب إلقاء القبض عليهم، لمدد تراوحت بين ثلاثة أيام إلى نحو أسبوعبن، ورغم احتمالية عدم تعمد قوات الأمن اللجوء إلى الإخفاء القسري بحق كل الموقوفين عشوائيًا نظرًا لارتفاع أعدادهم بشكل كبير في يوم ٢٠ سبتمبر والأيام التي تلته، إلا أن تعمُّد منع أفراد الأمن للموقوفين من التواصل مع ذويهم أو مع محاميهم، ثم حرمانهم من معرفة أماكن احتجازهم والتي لم تكن – في أغلبها – أماكن احتجاز رسمية مثل معسكرات لقوات الأمن، وعرضهم على النيابة بعد مرور أكثر من ٢٤ ساعة من القبض عليهم، يؤكد ممارسة قوات الأمن للإخفاء قسرًا وبشكل منهجي بحق آلاف المواطنين الذين تم القبض عليهم، رغم مخالفة ذلك للاتفاقية الدولية للحماية من الإخفاء القسري والتي تم إقرارها في عام ٢٠٠٦ والتي عرفت الإخفاء القسري بأنه:
“الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
تعرض معظم النساء على ذمة هذه القضية للإخفاء القسري لمدة تراوحت بين خمسة أيام إلى أسبوعين، إذ وثق مركز بلادي شهادات ١٩١ من النساء بينهن مسنات، وحوامل وحالة واحدة خاصة، إذ تم إخفاء السيدة أ.أ (٤٢ عام)، التي تعاني مرض التوحد، لمدة ١١ يومًا بمعسكر الجبل الأحمر، حرمت خلالها من الاتصال بذويها. فيما أكدت ش.أ (٢٣ عام)، أنها التقت أثناء إخفائها لنحو ٨ أيام بمسنة تبلغ من العمر ٧٦ عامًا بحجز النساء بقسم السيدة زينب، وأخرى حامل، حيث أمضت معهن ثلاثة أيام، قبل أن يتم ترحيلها إلى معسكر الجبل الأحمر، حيث تم التحقيق معها برفقة أخريات.
وذكر محام الصحفية أ.ع (٣٠ عام) – التي تم إلقاء القبض عليها أثناء تغطيتها للأحداث مساء ٢٠ سبتمبر – أنها تعرضت للإخفاء القسري لمدة ٩ أيام حرمت خلالها من الاتصال بذويها، قبل عرضها أمام النيابة الأحد ٢٩ سبتمبر، وأكد أنها تعرضت ومن كانوا برفقتها للترهيب المعنوي. مضيفًا أن قوات الأمن ألقت القبض على نحو ١٦ صحفيًا بينهم سيدتان، تعرضوا جميعًا للإخفاء القسري لمدة تراوحت بين ٣ أيام إلى ١٢ يومًا، حسب إحصائيات أعدتها منظمات معنية برصد أوضاع الصحفيين.
ب- الإكراه المادي:
ينص قانون الطفل في المادة ١١٦ مكرر (د) على أن “يكون للأطفال المجنى عليهم والأطفال، فى جميع مراحل الضبط والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ، الحق في الاستماع إليهم وفي المعاملة بكرامة وإشفاق، مع الاحترام الكامل لسلامتهم البدنية والنفسية والأخلاقية”.
تعرض أغلب الموقوفين لأنواع مختلفة من الإكراه البدني أثناء وبعد إلقاء القبض عليهم، فرصد التقرير مشاهد عديدة من عمليات الاعتداء على المواطنين سواء من كانوا يمارسون الحق الدستوري بالتظاهر، أو من كانوا متواجدين في أماكن التظاهرات دون أن يشاركوا فيها، أو من تواجدوا بالميادين الكبرى أثناء حالة الاستنفار التي شهدتها البلاد لدى قوات الأمن، فبالإضافة لأقوالهم أمام النيابة رصدت عدسات الصحافة وبعض المواطنين تعرض المئات من المواطنين لعمليات الاعتداء بالضرب على يد قوات الأمن وأفراد بالزي المدني في مساعدة قوات الأمن. ليس هذا فحسب، وإنما أكدت شهادات أغلب من تم عرضهم على النيابة، وبعض ممن تم إخلاء سبيلهم لاحقًا بتعرضهم للاعتداء البدني من قبل أفراد الأمن داخل أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، ولتجريدهم من ملابسهم بالقوة.
تعرض بعض الموقوفين الذكور لأشكال متعددة من التعدي كالضرب بهروات الأمن المركزي أو الصعق بالكهرباء، ولم يُستثنى الأطفال؛ فوفقًا لشهادة الطفل ز.أ (١٧ عام) أجبرتهم قوات الأمن في أحد أماكن الاحتجاز غير القانونية، على التجرد جزئيًا من ملابسهم، ثم قام بعض أفراد الأمن بإحراق تلك الملابس وهم معصوبو العينين، وهددوهم بالمكوث في ذلك المكان المجهول مدى الحياة، وانهالوا عليهم بالضرب بالعصي، فضلًا عن تعذيبهم بالصواعق الكهربائية بشكل جماعي. وذكر الطفل ز.أ كيف تعمد رجال الأمن إذلالهم؛ إذ كان أحدهم يقوم بتجميع البول من مراحيض الزنازين وإلقائها في أماكن احتجازهم وإجبارهم على الجلوس فيها، فضلًا عن تعرضه إلى بعض أشكال الإكراه المادي والمعنوي مثل إجباره على حلق شعر رأسه تمامًا، فضلًا عن تهديده بالاغتصاب من قبل أحد أفراد الأمن الذين قاموا بتعذيبه بعدما وصفه بأنه “يبدو كأنثى” على حد تعبيره. كذلك أكدت والدة الطفل م.ع (١٧ عام) أنه تعرض للتعذيب أثناء إخفائه بمعسكر الجبل الأحمر، لمدة ٤ أيام، رغم مرضه بالصرع، قبل ظهوره بالمؤسسة العقابية بالمرج.
ج- الإكراه المعنوي:
بجانب الإكراه البدني، تعرض الموقوفين، خاصةَ الفتيات والأطفال للإكراه المعنوي بالمخالفة للقانون على يد أفراد من قوات الأمن، فقد رصد التقرير تعرض العديد من الموقوفات لأشكال مختلفة من التهديد داخل أماكن الاحتجاز غير الرسمية أثناء فترة تعرضهن للإخفاء القسري، مثل التهديد بالاغتصاب، والتهديد بالتشهير بعرض محتويات الصور الشخصية بهواتفهن المحمولة على وسائل الإعلام، والتهديد بالسجن دون محاكمة.
لم توثِق شهادات االنساء تعرضهن للتعذيب بشكل ممنهج كالذكور، لكنهن تعرضن لأشكال متعددة من الإكراه المعنوي، إذ أكدت م.ف (١٩ عام) التي تم إخفاؤها قسرًا لنحو خمسة أيام بمكان غير معلوم، أنها تعرضت للتهديد بالاغتصاب في حال عدم اعترافها بالمشاركة في التظاهرات أثناء تحقيق مجهولين معها في أحد أماكن الاحتجاز غير القانونية، قبل عرضها على النيابة ومن ثم ترحيلها إلى سجن القناطر.
كما تعرضت س.ع (٢٧ عام) – المخلي سبيلها مؤخرًا على ذمة القضية – للتهديد بالقتل وإخفاء جثمانها أثناء تعرضها للإخفاء القسري لمدة تسعة أيام، فبعدما ألقي القبض عليها من محيط التظاهرات انتقلت على الفور إلى قسم شرطة عابدين ومنه بعد ساعات إلى مكان صحراوي مجهول تعرضت فيه للضرب والترهيب، إذ حقق معها ثلاثة مجهولون وهي معصوبة العينين. تروي “حققوا معايا الساعة ٣ بالليل، وواحد فيهم قاللي هحفر وادفنك هنا وماحدش هيعرف طريقك غير الكلاب اللي هتنبش جثتك”. أدت هذه الإجراءات لإصابتها بنوبة من الفزع؛ اضطرت من جرائها إلى توثيق اسمها ورقم هاتفها على ملابسها وأماكن عديدة بجسدها أثناء احتجازها، الأمر الذي أثبته محاميها عقب ظهورها وعرضها أمام النيابة وقام بتوثيقه عبر صفحته الشخصية بـ”فيس بوك”.
كذلك تعرضت الطفلة ج.د (١٧ عام)، إلى بعض أشكال الإكراه المعنوي، إذ أمضت نحو ثلاثة أيام في قسم قصر النيل حرمت خلالهم من الاتصال بذويها، وهناك قام أحد أفراد الأمن بإهانتها وتهديدها بأنه سيقوم بتقطيع ملابسها واغتصابها، كما هددها آخر بأنها ستواجه مصيرًا أسوأ من مصائر اللصوص، وفي أعقاب اصطحابها إلى أحد المعسكرات حيث أخفيت قسرًا، قام أحد أفراد الأمن بتهديدها بالإخفاء مدى الحياة أثناء التحقيق معها في ساعة متأخرة من الليل.
د- الإهمال الطبي وسوء أوضاع أماكن الاحتجاز
تنص المادة ٥٥ من الدستور على أنه “كل من يُقبَض عليه، أو يُحبَس، أو تُقَيَد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة.
ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقَب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يُهدَر ولا يعول عليه”.
وإضافة على ذلك، تنص المادتان ٣١ و ٣٦ من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فورًا الى محل الواقعة، ويعاين الآثار المادية للجريمة، ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأشخاص، وكل مايفيد كشف الحقيقة ويسمع أقوال من كان حاضرًا، أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة ومرتكبها”.
“يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورًا أقوال المتهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرئه، يرسله في مدى ٢٤ ساعة إلى النيابة العامة المختصة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف ٢٤ ساعة، ثم تأمر بالقبض عليه أو بإطلاق سراحه”.
وبالمخالفة لتلك المواد تم القبض على آلاف المواطنين من الشوارع في محافظات عدة، وتم اقتيادهم إلى أماكن عدة توزعت بين معسكرات قوات الأمن، وأقسام الشرطة، ومقرات لجهاز الأمن الوطني دون تمكينهم من الاتصال بذويهم، وتم التحقيق معهم داخل تلك الأماكن معصوبي الأعين بواسطة أفراد من الأمن الوطني بالمخالفة للقانون، وصاحبت عمليات القبض والاستجواب غير القانوني أشكال عدة من الإكراه البدني تشمل الضرب والإكراه المعنوي.
ينص قانون الطفل في المادة ١١٢ على أنه “لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد، ويراعى فى تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلًا مع بالغ أو أكثر فى مكان واحد”.
لم تراعي السلطات الفصل بين الأطفال والبالغين في أماكن الاحتجاز، وحرمت الأطفال من حق تواصلهم مع ذويهم ومن حضور محامٍ معهم في التحقيقات، وتولت النيابة عرض المحبوسين بأعداد كبيرة في أوقات متأخرة من الليل واستمرت على مدار يومين أو ثلاثة أيام، الأمر الذي أدي إلى تلاعب كبير في المحاضر المكتوبة وتغيير أماكن وظروف القبض حيث قبض على بعضهم من منازلهم أو من محيط منازلهم.
تم إيداع عدد كبير الأطفال والقاصرات، فضلًا عن المسنات والحوامل، بأماكن احتجاز غير قانونية، أثناء فترات إخفائهم قسرًا، ووفقًا لشهادة السيدة خ.و (٧٦ عام) التي تم نقلها إلى ثلاثة أماكن أثناء إخفائها قسرًا لمدة ١١ يومًا قبل أن يتم إخلاء سبيلها؛ نظرًا لتقدمها في السن، كانت جميع أماكن الاحتجاز غير القانوني بالغة السوء، إذ ذكرت كيف عانت النساء من الإهمال الطبي، فضلًا عن حرمانهن من الغذاء، والاستحمام قائلة : “تم احتجازي لمدة ٣ أيام بقسم قصر النيل اتحرمت خلالها من تلقي العلاج، رغم اني عرَّفت أفراد الأمن اني بعاني من أمراض السكر وتليف الكبد، ووضع مكان الاحتجاز بقى أسوأ بعد ما رحلونا من قسم قصر النيل مع بنات وستات تانية لأحد المعسكرات، وهناك أفراد الأمن في المعسكر رفضوا يستلموني؛ فرجعوني بس المرة دي لقسم السيدة زينب قضيت فيه حوالي ٨ أيام في أوضة ماتزيدش عن تلاتة متر، كانت مليانة حشرات، ومعايا عدد كبير من البنات والستات”.
الرواية ذاتها أيدتها الصحفية أ.ع (٤٦ عام)، التي ألقي القبض عليها بشارع الفلكي؛ إذ أكدت تعرضها للإهمال الطبي أثناء إخفائها قسرًا لمدة ١٣ يومًا، ضمنهم ثلاثة أيام بقسم عابدين و١٠ أيام بقسم السيدة زينب، قائلة : “بلغت قوات الأمن بقسم السيدة زينب من اللحظة الأولى إني مريضة قلب وبعاني من حساسية الصدر؛ لكنهم كانوا بيكتفوا بإحضار فرد الإسعاف لعمل بعض الإسعافات الأولية، وكانوا بيرفضوا بشكل قاطع إني اتنقل لأي مستشفى رغم تعرضي لنوبة قلبية كذا مرة، حياتي فيهم كانت معرضة للخطر”.
عانى الأطفال أيضًا من سوء أوضاع الاحتجاز؛ إذ لم يراعى الفصل بين الأطفال والبالغين نظرًا لتزايد أعداد المتهمين على ذمة القضية يومًا تلو الآخر؛ إذ ذكر الطفل ز.أ (١٧ عام) والمخلي سبيله مؤخرًا، تكدس ما يزيد عن المائة شخص في غرفة لم تتجاوز مساحتها الأربعة أمتار، بالإضافة إلى عدم توافر موارد غذائية كافية لهم، إذ كانت قوات الأمن تكتفي بإلقاء بضع أرغفة خبز، مع كميات قليلة من الجبن أو نوع واحد من الخضروات مرة واحدة يوميًا؛ الأمر الذي دفعهم إلى تقسيم أنفسهم إلى مجموعات وتوزيع الغذاء بالتناوب على مجموعات دون الأخرى يومًا بعد يوم.
وكما تعرض الطفل م.ع (١٧ عام) للحرمان من تلقي العلاج، إذ يعاني زيادة الكهرباء في المخ تستلزم تلقي جلسات يومية، أكدت الطبيبة س.غ (٢٤ عام) والمخلي سبيلها مؤخرًا على ذمة القضية أن بعض السيدات حُرمن من حق الرعاية الصحية، خاصة أثناء تواجدهن في غرفة الإيراد قبل توزيعهن على العنابر بسجن القناطر للنساء، كنزيلات على ذمة التحقيقات، إذ شهدت الطبيبة س.غ كيف تعرضت حياة أ.ع (٢١ عام) للخطر أثناء إصابتها بنوبة تشنج عصبي في ساعة متأخرة من الليل، بغرفة الإيراد، نتاج زيادة الكهرباء في المخ، كادت أثنائها أن تبتلع لسانها، جراء تأخر إدارة السجن في إسعافها.وكذلك أشارت السيدة ل.م (٥١ عام) التي تعاني الإصابة بسرطان الثدي لعدم قدرتها على تلقي العلاج الملائم، أثناء تواجدها بسجن القناطر لنحو ١٦ يومًا قبل أن يُخلى سبيلها بموجب قرار من النيابة، نظرًا لتأخر حالتها الصحية.
هــ تعمد إخفاء المعلومات والحرمان من الزيارة
تعمدت السلطات إخفاء المعلومات الأساسية عن أهل الأطفال المحتجزين مثل أماكن احتجازهم، ومواعيد عرضهم على النيابة، فيما تعمدت وزارة التضامن الاجتماعي ممثلة في المؤسسة العقابية بالمرج تضليل أهالي الأطفال بشكل جماعي أكثر من مرة عند سؤالهم عن أطفالهم المحتجزين داخل المنشأة، فلم يعلم ذويهم بأماكنهم الحقيقية، مما أدى لعدم تمكينهم من الزيارة حتى موعد إخلاء سبيلهم.
و- النيابة
تنص المادة ٥٥ من الدستور على أنه “كل من يُقبَض عليه، أو يُحبَس، أو تُقَيَد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة.
ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقَب مرتكبها وفقاً للقانون. و للمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يُهدَر ولا يعول عليه”.
وإضافة على ذلك، تنص المادتين ٣١ و٣٦ من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فورًا إلى محل الواقعة، ويعاين الآثار المادية للجريمة، ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأشخاص، وكل مايفيد كشف الحقيقة ويسمع أقوال من كان حاضرًا، أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة ومرتكبها”.
“يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فوراً أقوال المتهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرئه، يرسله في مدى ٢٤ ساعة إلى النيابة العامة المختصة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف ٢٤ ساعة، ثم تأمر بالقبض عليه أو بإطلاق سراحه”.
كما ينص قانون الطفل في المادة ١٢٥ على أنه “للطفل الحق فى المساعدة القانونية، ويجب أن يكون له فى مواد الجنايات وفى مواد الجنح محام يدافع عنه فى مرحلتى التحقيق والمحاكمة، فإذا لم يكن قد اختار محامياً تولت النيابة العامة أو المحكمة ندبه، وذلك طبقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات الجنائية”.
وبالمخالفة لتلك المواد، قبض على آلاف المواطنين من الشوارع في محافظات عدة، ولم تفتح النيابة تحقيقاً من جانبها كجهة تحقيق بتطبيق القانون ومساءلة الأجهزة الأمنية وقواتها بكيفية القبض على آلاف المواطنين دون توافر الحد الأدنى من الضمانات، والتي لو تواجدت لما تعرض هؤلاء المواطنين للتوقيف والاحتجاز من الأساس. تم اقتياد المواطنين إلى أماكن عدة توزعت بين معسكرات قوات الأمن، وأقسام الشرطة، ومقرات لجهاز الأمن الوطني دون تمكينهم من الاتصال بذويهم أو بمحاميهم. حُقِق معهم معصوبي الأعين بواسطة أفراد من الأمن الوطني بالمخالفة للقانون، وتم إخفائهم قسريًا لمدد تتجاوز ٢٤ ساعة وتصل إلى ٩ أيام، وصاحبت عمليات القبض والاستجواب غير القانوني أشكال عدة من الإكراه البدني تشمل الضرب والإكراه المعنوي، وذلك قبل العرض على النيابة، وقد تم إثبات بعض وقائع هذه الاعتداءات في المحاضر.
رصد المحامين عدد من الانتهاكات أثناء عرض المتهمين على النيابة، بدايةً من مثول أغلب المحتجزين بمجموعات كبيرة تصل إلى ٤٠٠ محتجز في اليوم الواحد بشكل فاق قدرة النيابة على استيعاب تلك الأعداد غير المسبوقة، مما أدى لانتداب وكلاء من نيابات مختلفة وعرض المتهمين على نيابات مختلفة، بمن فيهم المتهمين من محافظات بعيدة مثل أسوان والسويس والاسكندرية، ليستمر التحقيق لساعات متأخرة من الليل تنتهي فجر اليوم التالي. بالإضافة إلى تسجيل عرض المتهمين في حالات شديدة السوء بعد أيام من الإنهاك الجسدي والنفسي، فقد روت الصحفية أ.ع (٣٠ عام) شهادتها عن عرض بعض المحتجزات حفاة الأقدام أمام وكيل النيابة. ويحكي الطفل ع.أ (١٨ عام) كيف تم القبض عليه ومجموعة كبيرة من شباب وأطفال السويس، ليتم ترحيلهم للقاهرة يوم التحقيق وعرضهم على النيابة ليلاً بلا غذاء طوال يوم السفر. ويسجل الطفل أ.م (١٦ عام) سخرية وكيل النيابة من مظهره هو وزملائه في بورسعيد. والطفل أ.أ (١٧ عام) الذي يعاني من بتر في يده اليمنى سخر وكيل النيابة منه عند التحقيق. هذا بالإضافة إلى عرض عدد كبير من المحتجزين على النيابة بدون محام وبلا إمكانية لرصد أوضاعهم وضمان حقوقهم.
٣- رواية الأجهزة الرسمية للقضية
انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان عمليات التوقيف إلا أن ذلك لم ينتج عنه رد فعل يحد من استخدام العنف في التعامل مع مظاهرات ٢٠ سبتمبر. في الوقت ذاته صدر بيان النائب العام الرسمي بتاريخ ٢٦ سبتمبر تعليقًا على حملة الاعتقالات بعد ما يقرب من ستة أيام منذ بداية حملات القبض، الأمر الذي ترك الأوضاع العامة لفترة طويلة دون تفسير أو مبرر قانوني لحملات الاستيقاف والتفتيش والقبض العشوائي على المواطنين.
وفيما أقر بيان النائب العام وجود حالات قبض عشوائي من محيط المظاهرات وقيام المظاهرات لأسباب اقتصادية واجتماعية، لم يذكر موقف وعدد النساء والأطفال المحبوسين والمختفين، ولم يتحدث عن أماكن احتجاز المتهمين غير القانونية قبل عرضهم على جهات التحقيق. إذ رصد مركز بلادي حتى تاريخ البيان حبس ٨١ طفلًا على الأقل، منهم ٤٢ في عداد المختفين قسريًا في الفترة ما بين ٢٠ سبتمبر إلى ٢٦ سبتمبر.
وفي ذلك لم يشير البيان إلى الوضع القانوني للفاصل الزمني بين إلقاء القبض على المواطنين وبين عرضهم للتحقيق والتي تنوعت بين معسكرات الأمن المركزي والأقسام دون فصل بين الأطفال والبالغين وبلا مراعاة للحالة الصحية لأي منهم. ما هو المبرر القانوني لاستمرار حبس المتهمين رغم نفي البيان الرسمي تعمد بعض المتهمين للتظاهر.
بالإضافة لذلك، تجاهل البيان لوضع القانوني والانتهاكات التي تمت بحق المتظاهرين من السلطات مثل استخدام الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش في فض التظاهر، والانتهاكات القانونية مثل التحقيقات أمام جهات تحقيق غير مختصة على خلاف ما ينص عليه القانون باختصاص نيابة الطفل دون غيرها في قضايا الأطفال. وبدلًا من استنكار بيان النائب العام لإجراءات التفتيش العشوائي وتعقب الهواتف وصفحات التواصل الاجتماعي لما يتضمنه من حرمان المواطنين من حقوقهم في الخصوصية والكرامة وحرية التعبير، وهو انتهاك غير مسبوق في جمهورية مصر العربية ومخالف لكافة لوائح الدستور الوطني والمعايير الدولية التي تلتزم بها مصر، حيث بُني على ذلك اجراءات عديدة غير قانونية وممنهجة أدت بطبيعة الحال لانتهاكات بالجملة بحق المواطنين وهو أمر يعرقل المنظومة القانونية بأكملها ويضع علامة استفهام كبرى أمام جدية السلطتين التنفيذية والتشريعية في تطبيق القانون.
وبينما وضع المشرع المصري نصوصاً واضحة في المادة ٩٦ من قانون الطفل في ١٤ مادة توضح الظروف التي يمكن اعتبارها خطرًا على الطفل، سواء بدنيًا أو صحيًا أو أخلاقيًا، منها تعرض صحته للخطر، أو إذا كان معرضًا للإساءة أو العنف، أو إذا حُرم من حقه في رؤية والديه ولو جزئيًا، أو إذا حُرم من التعليم الأساسي أو تعرض مستقبله التعليمي للخطر، فإن السلطات قد مارست للأسف كل هذه المواد مجتمعة على الأطفال الذين تم القبض عليهم في تلك الفترة بدلًا من الحرص على حماية الأطفال منها.