تستنكر المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان الحملة الأمنية التي تشنها السلطات المصرية مؤخرًا على النشطاء السياسيين والحقوقيين والمحاميين والصحفيين بسبب ممارستهم حقهم المشروع في التعبير عن الرأي، بما في ذلك انتقادهم لأداء الحكومة المصرية في تعاملها مع وباء كوفيد-19 المستجد، واتهامهم بقائمة التهم “الجاهزة” المكررة بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة بشكل شبه تلقائي، فضلاً عن إلصاق تهمة “الانضمام لجماعة إرهابية” للجميع دون سند أو قرائن ودون ذكر لماهية هذه الجماعة أو أسمها. وعليه تجدد المنظمات مطلبها بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيا ومنهم سجناء الرأي (الذين كان يفترض ألا يكونوا في السجون من الأساس)، تخفيفاً لتكدس السجون بالتزامن مع تفشي الوباء، والتوقف عن الزج بمزيد من سجناء الرأي في السجون.
ففي الوقت الذي تطالب فيه المنظمات الحقوقية المصرية والدولية، والأحزاب السياسية، والهيئات الأممية بتقليل التكدس في السجون والإفراج عن بعض فئات السجناء، ألقت الجهات الأمنية في مصر خلال شهري مارس وأبريل القبض على العشرات من منازلهم في حملات بمحافظات متفرقة، وتم إخفاء معظمهم لمدد متفاوتة قبل ظهورهم أمام نيابة أمن الدولة بتهم الانضمام لجماعة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة. وهي التهم نفسها التي وجهت أيضًا لعدد من النشطاء والصحفيين والمحاميين مؤخرًا بسبب تدوينات على حساباتهم الشخصية حول فيروس كورونا.
في 28 أبريل 2020، ظهر الصحفي أحمد علام أمام نيابة أمن الدولة، بعد اختفاء 6 أيام منذ القبض عليه من منزله بالجيزة يوم 21 أبريل، كمتهم على ذمة القضية 558 لسنة 2020، وهي القضية نفسها التي انضمت إليها المترجمة والباحثة خلود سعيد بعدما مثّلت أمام النيابة في اليوم نفسه عقب اختفاء قسري لمدة 7 أيام منذ القبض عليها من منزلها في الإسكندرية في 22 أبريل. وقد أمرت النيابة بحبس كلاهما 15 يومًا على خلفية اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة واساءة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذ يصر النظام المصري على الانفراد وحده بالمعلومات والتحكم في مصادرها وطريقة تداولها، لجأ للتنكيل والحبس لكل من نشر أخبار أو معلومات تخالف الرواية الرسمية حول تطورات فيروس كوفيد-19 في مصر، أو تجرأ على انتقاد بعض سبل الحكومة في مكافحته، مثل الصحفي عاطف السيد رئيس تحرير جريدة القرار الدولي الذي قررت نيابة أمن الدولة حبسه 15 يومًا على خلفية نشره تعليقاً حول أعداد المصابين بفيروس كورونا، بعدما ألقي القبض عليه من منزله في أسوان في 14 مارس، واختفى لمدة شهر قبل مثوله للتحقيق. وكذا الصحفي الاقتصادي مصطفى صقر مالك صحيفتي البورصة ودايلي نيوز إيجيبت، والذي قررت النيابة في 12 أبريل حبسه 15 يومًا، بعد نشره مقترحات حول سياسات البنك المركزي وقراراته في مواجهة فيروس كورونا. وكذلك المحامي محسن بهنسي المحبوس حاليًا 15 يومًا على ذمة القضية نفسها، بعدما وجهت له النيابة- حسب محاميه- أسئلة حول نشره تعليقاً على صفحته الشخصية بموقع فيس بوك حول ضرورة الافراج عن المحبوسين احتياطياً بسبب تفشي وباء كوفيد – 19، وقد وجهت نيابة أمن الدولة لجميعهم التهم المعدة سلفًا بالانضمام لجماعة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة.
الأمر نفسه ينسحب على آية كمال وعمرو عادل من الإسكندرية والمتهمين بالاتهامات نفسها، على خلفية نشر آية كمال تعليقاً على موقع فيس بوك حول وفاة أحد أفراد القوات المسلحة بفيروس كورونا المستجد، بينما نشر عادل فيديو من تصويره لمسيرات محدودة انطلقت في محيطه بالإسكندرية ضد فيروس كورونا.
وكان المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان قد أعلن اعتقال 15 شخصاً من بينهم طبيب وصيدلي بسبب شكواهم من نقص الاحتياجات الطبية، فضلاً عن توثيق منظمات حقوقية القبض على 5 اخرين في القضية 575 لسنة 2020 بعد نشرهم فيديو يطالب بالإفراج عن ذويهم المحتجزين خوفاً من انتشار الفيروس داخل السجون.
هذه الملاحقات القضائية المكثفة تزامنت أيضا مع حملات عنيفة على وسائل إعلامية أجنبية للحيلولة دون تداول أية أخبار حول وباء كورونا المستجد ومعدل انتشاره في مصر بخلاف الروايات الرسمية. فقد قررت السلطات المصرية في 17 مارس غلق مكتب صحيفة الجارديان البريطانية في مصر وسحب اعتماده، بعد نشر الصحيفة تقريراً يشكك في الأعداد الرسمية لمصابي فيروس كورونا، كما أصرت السلطات المصرية على ترحيل مراسلة الصحيفة في مصر. هذا بالإضافة إلى تحذير أخر وُجه لمراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مصر يشدد على الرجوع إلى “المصادر الرسمية في الأخبار التي يتم بثها عن مصر والالتزام بالقواعد المهنية”.
إن مواجهة وباء كوفيد-19 المستجد لا تستلزم التنكيل بكل من ينشر أخبار أو معلومات مخالفة للرواية الرسمية للدولة، وإنما تستلزم إتاحة كل المعلومات والأرقام والأليات بشفافية، فضلاً عن تقبل النقد ووقف سياسات الترهيب لكل من يحاول كشف قصور ما في أداء الدولة بأجهزتها المختلفة لمواجهة الوباء.
:المنظمات الموقعة